"إدارة التميز".. البقاء للأفضل بين المنظمات
  • التعليم والقيادة والسوق والعملاء والابتكار واستدامة النتائج من أهم ركائز التميز الإداري بسنغافورة وكندا وأستراليا
  • العلاقة وثيقة بين تميز المنظمات وتطبيقها متطلبات ومبادئ إدارة الجودة الشاملة
  • الأوروبي والأمريكي والياباني أبرز نماذج التميز الإداري في العالم


يموج عالمنا اليوم بتغييرات عديدة وعاتية، وتزداد فيه حدة المنافسة بين المنظمات المختلفة التي يحكم استمراريتها وتطورها أن "البقاء للمتميز" منها. والتميز هنا هو القوة التي ترتكز عليها هذه المنظمات، وهو ما لن يتحقق من فراغ؛ وهو محصلة قوتها وتميزها في عوامل عديدة ومتطلبات مختلفة. أرست دعائمها نماذج وتجارب النجاح التي سطرتها إدارة تميز المنظمات المتميزة بالدول المتقدمة كاليابان، وأمريكا، وأوروبا، وكندا، وأستراليا، وسنغافورة، وغيرها. وما أحوج منظماتنا إلى هذا التميز؛ لمواصلة مسيرتنا التنموية، وتلبية طموحات قيادتنا الرشيدة، في ظل رؤية المملكة 2030. في هذا التقرير عن "إدارة التميز" نتعرف على مفاتيحها، ومقوماتها، ونماذجها، وعلاقتها بالجودة الشاملة..وإليكم التفاصيل.


مفاتيح ومقومات

يلفت "المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية" إلى أن هناك مجموعة من المفاتيح والمقومات اللازمة لتطبيق ونجاح إدارة التميز في المنظمات المختلفة. وتتمثل هذه المفاتيح في مجموعة التوجهات الإدارية التي تشترك في بناء وتنمية ثقافة تنظيمية محابية لفرص التميز والتفوق. وتعبر هذه التوجهات الإدارية عن أنماط سلوكية متفوقة تستهدف توفير أفضل الظروف والآليات والأدوات للأداء الذي يلتزم بمواصفات ومتطلبات الجودة الشاملة والمتوافق مع رغبات وتوقعات العملاء، كما تحقق ارتباط المنظمة بعلاقات وثيقة وفعالة مع كافة الأطراف ممن يقدمون خدماتهم لها أو يحصلون على منافع منها. وتتضمن قائمة تلك المفاتيح ما يلي: تنمية وحفز الابتكار، وتنمية وتفعيل التوجه لإرضاء العملاء، والالتزام بمفاهيم ومتطلبات الإدارة المالية السليمة، والالتزام بأخلاقيات وقيم العمل الإيجابية، وتنمية وتوظيف الرصيد المعرفي المتجدد للعاملين، وتيسير وتفعيل فرص التعلم التنظيمي، وتنمية آليات التفكير المنظومي والتزام منهجية علمية في بحث المشكلات واتخاذ القرارات، والتوجه بالنتائج، والتركيز على العملاء، والاهتمام المتوازن بأصحاب المصلحة، وإدماج المنظمة في المناخ المحيط وتنمية الإحساس بالمسئولية الاجتماعية لدى العاملين. وتوضح هذه المجموعة من المفاتيح أن الوصول إلى " إدارة التميز" ليس أمراً يسيراً يتحقق بالتمني؛ ولكنه عمل شاق وجهد متواصل من جانب أفراد المنظمة جميعاً وعلى كافة المستويات.

كذلك فإن تحقيق "إدارة التميز" يتطلب توافر المقومات التالية:

1- بناء إستراتيجي متكامل يعبر عن التوجهات الرئيسة للمنظمة ونظرتها المستقبلية.

2- منظومة متكاملة من السياسات التي تحكم وتنظم عمل المنظمة، وترشد القائمين بمسئوليات الأداء إلى قواعد وأسس اتخاذ القرارات.

3- هياكل تنظيمية مرنة ومتناسبة مع متطلبات الأداء وقابلة للتعديل والتكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية.

4- نظام متطور لتأكيد الجودة الشاملة.

5- نظام معلومات متكامل؛ لدعم اتخاذ القرار.

6- نظام متطور لإدارة الموارد البشرية.

7- نظام لإدارة الأداء.

8- نظام متكامل لتقييم الأداء الفردي وأداء مجموعات وفرق العمل ووحدات الأعمال الإستراتيجية والأداء المؤسسي.

9- قيادة فعالة؛ تدعم إتاحة فرص المنظمة في تحقيق " إدارة التميز".

النموذج الأوروبي

وفي معرض الحديث عن إدارة التميز ونماذجها؛ ينظر الخبراء والمتخصصون إلى ثلاثة نماذج منها بعين الاعتبار وهي: النموذج الأوربي، والنموذج الأمريكي، والنموذج الياباني. فيبرز "المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية" النموذج الأول وهو النموذج الأوروبي للتميز الذي يقوم على قاعدة أساسية من فكر الجودة الشاملة؛ حيث نبع من فعاليات الاتحاد الأوروبي لإدارة الجودة الذي أنشيئ في العام 1988م، ويترابط مع الجائزة الأوروبية للجودة التي يديرها الاتحاد ذاته. وتتبلور فلسفة هذا النموذج في أن التميز في الأداء، وخدمة العملاء، وتحقيق المنافع لأصحاب المصلحة من العاملين وغيرهم والمجتمع بأسره؛ إنما يتحقق من خلال القيادة التي تقوم بصياغة وتوجيه السياسات والإستراتيجيات والموارد البشرية، وتستثمر العلاقات وتدير العمليات المختلفة بالمنظمة". ويؤكد النموذج الأوروبي على أن المنظمة تستطيع الوصول إلى مرتبة "إدارة التميز" إن هي التزمت بأفكار وأنماط الإدارة القائمة على الأسس التالية:

1- التركيز على النتائج المستهدفة لجماعات أصحاب المصالح المختلفين ذوي العلاقة بالمنظمة.

2- التركيز على العملاء.

3- القيادة الفعالة والأهداف الواضحة من أهم محددات الأداء التنظيمي، وهي التي تتيح الظروف المناسبة لتميز أداء عناصر المنظمة المختلفة.

4- إدارة العمليات والإدارة بالمعلومات.

5- تنمية وتمكين الأفراد العاملين بالمنظمة؛ حتى تنطلق طاقاتهم الإبداعية وقدراتهم الفكرية وخبراتهم ومعارفهم؛ فيما يعود على المنظمة بأفضل النتائج.

6- التعلم المستمر والابتكار والتجديد شرط مهم لتحقيق "إدارة التميز".

7- تنمية علاقات الشراكة والتحالف.

8- إدراك المسئولية الاجتماعية للمنظمة واحترام قواعد ونظم المجتمع من شروط نجاحها في المدى الطويل.

ويرتب النموذج معايير " إدارة التميز" في مجموعتين هما: أولاً: مجموعة "الممكنات "أي العوامل التي تمكن المنظمة من تحقيق النتائج، فهي الموارد والوسائل والآليات التي تتحقق من خلالها "النتائج" (وهي المجموعة الثانية). وأما عن تطبيق النموذج الأوروبي؛ فتشير الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" إلى أنه يمكن تطبيق التقييم الذاتي بشكل واسع النطاق على المنظمات، الكبيرة منها والصغيرة، سواء كانت تعمل في القطاع العام، أو في القطاع الخاص. ويمكن أن يوفر التقييم الذاتي-باستخدام هذا النموذج-لفريق الإدارة نظرة شاملة على المنظمة كلها. وبشكل متزايد، تستخدم المنظمات المخرجات التي يتم الحصول عليها من التقييم الذاتي كجزء من عملية التخطيط التجاري بها، كما أنها تستخدم نموذج تميز المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة كأساس لمراجعة عمليات التشغيل والمشروعات.

النموذج الأمريكي

وهو من أشهر نماذج "إدارة التميز"، وطبقاً لموقع "المرسال.كوم"؛ فإن هناك عدة مفاهيم وعناصر عامة يتميز بها النموذج الأمريكي، وهذه المفاهيم تعبر في الغالب عن قيم التميز والفعالية، وتنبع بالدرجة الأولى من فكر "إدارة الجودة الشاملة"، وهي:

1- تتم عملية الجودة الشاملة في هذا النموذج انطلاقا من رغبات العملاء ومتطلباتهم.

2- النموذج يبرز مدى أهمية وحيوية قيادة المؤسسة ومجلس الإدارة.

3- ضرورة التعلم التنظيمي، والتطوير المستمر لمختلف عناصر ومقومات الأداء.

4- يركز النموذج جيداً على قدرات الفرد ويقدر جداً أهمية العنصر البشري الفعال.

5- يسعى النموذج لتطوير قدرات ومهارات العاملين وتدريبهم.

6- أهمية الاستجابة السريعة لاحتياجات العملاء، وتيسير أية صعوبات يجدونها في إدارة المنظمة.

7- التركيز على أهمية تصميم الجودة في مجالات النشاط المختلفة؛ لمنع الأخطاء.

8- ضرورة تعميق التوجه الإستراتيجي، وتوضيح رسالة المنظمة، وسياستها، ورؤيتها المستقبلية.

9- تنمية أساليب الإدارة المستندة على المعلومات والحقائق، وتنمية المعرفة ودعم اتخاذ القرارات.

10- التأكيد على أهمية العناية بتنمية علاقات المنظمة مع مختلف الأطراف الخارجية المتعاملة معها.

11- تسعى إدارة  المؤسسات الأمريكية لتقريب وجهات النظر بين مجلس الإدارة وكافة العاملين بالمؤسسة.

12- عقد صفقات وبروتوكولات تعاون واتفاقات للشراكة والتحالف.

13- يسعى أغلب المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال للتواصل فيما بينهم وعقد اجتماعات ودية؛ لتخفيف حدة المنافسة السيئة.

 14- تهتم المنظمات الأمريكية باللجوء للقانون؛ لتجنب الدخول في صراعات خبيثة.

15- يدرك القائمون على الإدارة أهمية الدور الاجتماعي للمنظمة ومسئوليتها العامة.

16- إتباع فكرة الكفاءة في المناصب وليست القرابة أو الولاء معايير لذلك.

النموذج الياباني

وبالنسبة للنموذج الياباني، أو ما يُعرف بنموذج "ديمنج Deming"، والذي ارتبط باسم "ويليام ديمنج"، وبحركة الجودة في اليابان منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وتقوم مؤسسة "ديمنج" بمنح جائزة باسمه للأفراد والهيئات التي تحقق إنجازات مهمة في مجال رقابة الجودة. وهذه الجائزة كانت تُقدَم في السابق لليابانيين فقط، ثم بدأت شركات غير يابانية تبدي اهتماماً بالجائزة وتتقدم للفوز بها، وقد حصلت شركات أمريكية عليها مثل شركة Lucent Technologies، وتقوم الجائزة على أساس نموذج يركز فقط على العمليات Processes المؤدية إلى الجودة الشاملة دون النظر إلى النتائج المترتبة عليها.

 وتتعدد صور وفئات هذه الجائزة كالتالي: فهناك جائزة "ديمنج" للأفراد، وجائزة "ديمنج" للتطبيق، وجائزة الرقابة على الجودة للمصانع، وقلادة "ديمنج".

وعلى صعيد متصل، تبرز تسعة معايير يتم قياس المنظمات على أساسها لنيل الجائزة، وهي: أولاً: معيار السياسات الذي يشمل الأمور المتصلة بشرح السياسات التي تتبعها المنظمة، والعمليات المستخدمة في وضعها، ومدى وجود أهداف طويلة وقصيرة المدى، وقضايا القيادة. وثانياً معيار التنظيم والتنمية وهو يتعلق بالتنظيم العام للمنظمة وأسس توزيع السلطة، ومدى استخدام فرق العمل، والهيكل التنظيمي وتوزيع الاختصاصات بين التقسيمات التنظيمية المختلفة، وطبيعة العلاقات مع الأطراف الخارجية. وثالث هذه المعايير هو معيار المعلومات الذي يتناول مدى استخدام المعلومات في المنظمة. أما المعيار الرابع فهو التحليل والذي يشير إلى أسلوب تحليل المشكلات التي تواجه الجودة في المنظمة. وخامساً: معيار التخطيط للمستقبل ويركز على ما تقوم به المنظمة من خطط لتحسين الجودة في المستقبل. وسادس هذه المعايير هو التعليم والتدريب وهو كما يبدو يتعلق بتوضيح أنشطة التدريب الموجهة للعاملين ذوي العلاقة بالجودة. وسابعاً: معيار تأكيد الجودة الذي يتصل بتفاصيل عملية تأكيد الجودة. وثامناً معيار تأثيرات الجودة الذي يعرض النتائج التي تحققت للمنظمة؛ نتيجة إعمال نظم الجودة. وتاسعاً معيار التنميط أو التقييس وهو خاص بالمعايير المستخدمة في نظم الجودة، وكيفية تطبيقها، وأساليب تحديثها. وتاسع تلك المعايير ينظر للرقابة، وهو يأخذ بعين الاعتبار الأساليب المختلفة التي تتبعها المنظمة للتأكد من جودة المنتجات والخدمات التي تقدمها لعملائها.

السنغافوري والكندي والأسترالي

كذلك تورد الباحثة تغريد عيد الجعبري-عند حديثها بأطروحتها عن "دور إدارة التميز في تطوير الأداء"-العديد من النماذج الأخرى لإدارة التميز كالنموذج السنغافوري، والكندي، والأسترالي، وغيرها. فتؤكد على أن الذي يركز عليه النموذج السنغافوري بشكل أساسي هو التعليم كوسيلة للتطوير الاقتصادي والاجتماعي؛ وذلك لتحقيق التوازن بين المواد الدراسية، وتطوير الشخصية والنشاطات الرياضية والثقافية المختلفة، كما يهتم بالمعايير التالية: تزويد الجميع بالتعليم، وزيادة التمويل، واجتذاب المعلمين الجيدين، ونشر ثقافة التعليم، وتوسيع التعليم في الدراسات العليا، ومراجعة المناهج، والاهتمام بالتجديد والابتكار، وتوفير التدريب لرفع الكفاءة.

أما النموذج الكندي، فهو يركز على المعايير التالية: القيادة من خلال المشاركة، والتركيز على أصحاب المصالح، والزبائن، والسوق، والتعاون والعمل الجماعي، وإدارة العمليات، ومنظور حقائقي لاتخاذ القرار، والتعلم المستمر وإشراك العاملين، والتركيز على التحسين المستمر والتفكير الابتكاري، والوفاء بالالتزامات لأصحاب المصالح والمجتمع.

ويشتمل النموذج الأسترالي على مجموعة من المفاهيم التي يركز عليها، وهي كالتالي: القيادة بإعطاء المثل وتوفير اتجاه واضح، وبناء منظمة تركز على استدامة تحقيق الأهداف، وتفهم ما يثمنه السوق والزبائن (الآن، وفي المستقبل)، واستخدام الفهم؛ لتوجيه تصميم المنظمة، واستراتيجيتها ومنتجاتها، وخدماتها، والتحسين المستمر للنظام، وتطوير قدرات العاملين وتقديرها وإطلاق مهاراتهم، وقدراتهم الخلاقة؛ لتغيير وتحسين المنظمة، وبناء منظمة رشيقة تتأقلم، وسريعة رد الفعل؛ من خلال ثقافة تشجع على التحسين المتواصل، والابتكار، والعلم، وتحسين الأداء، من خلال استخدام البيانات، المعلومات، والمعرفة؛ لتفهم المتغيرات المتواصلة، وتحسين اتخاذ القرار الإستراتيجي والتنفيذي، والتعامل بأسلوب مسئول أخلاقياً، مجتمعياً، وبيئياً، والتركيز على استدامة النتائج، والقيم والمخرجات.

الجودة الشاملة والتميز

ويتضح من استعراضنا مفاتيح ومقومات التميز الإداري ونماذجه أن إدارة الجودة الشاملة في المنظمات التي تطبقها بنجاح واقتدار هي أساس تميزها؛ ولذلك نلقي الضوء سريعاً عليها؛ حتى يلم قرائنا الأعزاء بأبعاد وركائز تميز هذه المنظمات. فالجودة الشاملة هي محصلة مراحل متعددة؛ فقد تميزت بدايات القرن الماضي بظهور فحص الجودة، تلتها مرحلة مراقبة الجودة، ثم ضمان أو تأكيد الجودة، فإدارة الجودة الشاملة التي تزامنت مع منتصف القرن العشرين. ووفقاً لما يذكره الباحث أحمد بن عيشاوي في ورقة عمل عنوانها: "إدارة الجودة الشاملة (TQM) السبيل إلى تحقيق الأداء المنظمي المتميز"؛ فإن الخبراء والباحثين يحددون ثمانية مبادئ للجودة الشاملة وهي: التركيز على العميل، والتحسين المستمر، والتعاون الجماعي بدلاً من المنافسة، والتركيز على الموارد البشرية والكفاءات الفردية، والوقاية بدلاً من التفتيش، والمشاركة الكاملة، واتخاذ القرارات بناء على الحقائق، ونظام المعلومات والاتصال.

وبصفة عامة؛ فإن هذه المبادئ هي التي تتضمنها النماذج المختلفة لإدارة التميز، وبصفة خاصة كل من: النموذج الأوروبي، ونظيره الأمريكي، ومثيلهما الياباني؛ أي أن هناك علاقة وثيقة بين إدارة التميز وإدارة الجودة الشاملة، وهو ما يبدو جلياً من النظر إلى متطلبات تطبيق إدارة الجودة الشاملة المتمثلة في 9 متطلبات هي: دعم وتأييد الإدارة العليا تطبيقها، وتهيئة مناخ العمل وثقافة المؤسسة، والتركيز على العميل، وقياس الأداء، والإدارة الفعالة للموارد البشرية، والتعليم والتدريب المستمر، والقيادة القادرة على تطبيق إدارة الجودة الشاملة، وإرساء نظام معلومات لها، وتشكيل فرق عمل للجودة.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة