القيادة الإدارية وتنمية الموارد البشرية

لا شك في أن تقدم الدول في عالمنا المعاصر يقاس بمدى تقدمها في مجال القيادة الإدارية؛ لأن سر تنمية الدولة وتقدمها لم يعد يكمن في مقدرتها على استخدام ثرواتها، بل في كيفية استخدامها القوى البشرية. لذا تعتبر عملية التخطيط لتهيئة القوى العاملة الذين ستحتاجهم الأجهزة الحكومية في المستقبل إحدى الممارسات الإستراتيجية المهمة لإدارة الموارد البشرية؛ لما لها من تأثيرات إيجابية على أداء هذه الأجهزة. حيث يرتبط النجاح أو الاخفاق في الأجهزة الحكومية بتحقيق مهامها بأداء قياداتها الإدارية. ويلاحظ أن من مظاهر انخفاض الإنتاجية في الأجهزة الحكومية العربية غياب المعايير الموضوعية لاختيار قياداتها الإدارية؛ لذلك يجب قياس أداء قياداتها الإدارية من حيث واقع تطبيق قياس أدائهم، ومعرفة أهم الأساليب المستخدمة في القياس، وتحديد أهم المعوقات والصعوبات التي تواجه تطبيق قياس أداء القيادات الإدارية الحكومية بالمملكة. وفي ضوء ذلك لجأت المملكة إلى حث الأجهزة الحكومية على قياس أدائها بغرض تحسينه وسرعة انجاز المعاملات من خلال الأنظمة واللوائح والتعاميم الصادرة تباعا، وتكليف الأجهزة الرقابية بمتابعة مراقبة الأداء في كافة الأجهزة الحكومية، بالإضافة إلى إنشاء مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية.

    وتنشأ الحاجة لإعداد قادة المستقبل في القطاعات الحكومية من عدة أسباب. أولها توسع نشاطات المنظمات المعاصرة؛ مما نتج عنه إنشاء وحدات واقسام ادارية حديثة وبالتالي زيادة الحاجة لأعدا كبيرة من القادة لتولي مهام الإشراف على هذه النشاطات. وثانيها انخفاض قوة العمل في القطاع الحكومي سواء لأسباب طوعية، كالبحث عن حوافز ومزايا أفضل أو بسبب استحقاق التقاعد لأعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين، وهي ظاهرة تعاني منها كثير من المجتمعات الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وكندا؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير دراسة المكتب الفيدرالي لشئون الموظفين إلى أن 69% من القوى العاملة في الحكومة الأمريكية بكافة مستوياتها ستستحق التقاعد بحلول عام 2016م بناء على إحصاءات التعداد السكاني لعام 2006م. في حين أن إحصاءات وزارة الخدمة المدنية في المملكة العربية السعودية لعام 2014م تشير إلى أن 38% تقريباً من عدد الموظفين الحكوميين سيبلغ سن الاستحقاق التقاعدي.

    ومما يجعل المشكلة أكثر تعقيدا ضعف قدرة الأجهزة الحكومية على استقطاب الموظفين الشباب لإحلالهم محل الموظفين التاركين للعمل طوعاً أو المستحقين للتقاعد بسبب تدني الرغبة وضعف الإقبال على الفرص الوظيفية الحكومية لضعف الرواتب والحوافز في القطاع الحكومي بالمقارنة مع القطاع الخاص. فقد أُطلق على ظاهرة استحقاق شريحة كبيرة من الموظفين الحكوميين للتقاعد اسم "فناء العقول" وقد حذر كثير من الباحثين من الآثار الخطيرة لهذه الظاهرة على أداء ومستقبل المنظمات الحكومية، والتي من أهمها فقدان الذاكرة التنظيمية والثقافة التنظيمية اللتان أنشأهما القياديون والموظفون السابقون وفقدان المعلومات والمعارف والمهارات وشبكات العلاقات في الوظائف الرئيسية لنشاطات المنظمة نتيجة فقدان القوى العاملة، ومن الأسباب الرئيسية أيضا لتبني مفهوم إعداد قادة المستقبل من قبل المنظمات المعاصرة تزايد الاهتمام بالفكر والتخطيط الإستراتيجي من قبل المنظمات في كافة نشاطاتها.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة