المواءمة بين الموظف والوظيفة وأثرها في النية لترك العمل
  • ​تعديل وتطوير أنظمة ولوائح الخدمة المدنية بما يتناسب مع رؤية المملكة والتكنولوجيا الحديثة وتغيرات بيئة العمل
  • موظفو الخدمة المدنية لديهم النية لترك أعمالهم بدرجة متوسطة وليس ذلك مؤشراً لعدم المواءمة مع وظائفهم

 

شغلت العلاقة بين الموظف ووظيفته أذهان الخبراء والأكاديميين في علم الإدارة؛ لأنها جوهر تحسين إنتاجيته، وتحقيق الانسجام بينه وبين زملائه، مما ينعكس بشكل إيجابي على الأداء المتميز للمنظمة ككل. وهي علاقة متشابكة، وأطرافها الموظف بسماته الشخصية والوظيفية، وزملائه سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين، ومنظمته، والمجتمع ككل. وهذه العلاقة يُعبر عنها بمصطلح المواءمة أو التوافق؛ فكلما اتصفت هذه المواءمة بالإيجابية كلما ازداد ارتباط الموظف بوظيفته وعطائه وتفجرت لديه طاقاته الإبداعية، والعكس صحيح. فالتوافق القيمي والثقافي أصبح ذا أهمية في قرارات التوظيف لمنظمات القرن الـ 21. وتحقيق هذه المواءمة الوظيفية ليس هو المشكلة ولكن درجة هذه المواءمة هي التي تمكننا من الحكم على نجاح أو فشل علاقة الموظف بوظيفته ومنظمته، وهو ما يمثل جوهر مشكلة الدراسة الميدانية الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي أجراها كل من أ.سعود بن غازي العتيبي وأ.مجدي عوض مبارك بعنوان: "المواءمة بين الموظف والوظيفة وأثرها في ترك العمل"، ونستعرضها معكم على صفحات "التنمية الإدارية".

ارتياح وانسجام

تتكون الدراسة من 6 فصول، وتقع في 291 صفحة. يستهلها الباحثان بالفصل الأول أو "الإطار العام للدراسة"، والذي يلفتان من خلاله إلى أن موضوع المواءمة بين الفرد والوظيفة يعد أحد الموضوعات البحثية شائعة الاستخدام لدراسة اتجاهات وسلوك وقيم وأهداف وحاجات وقدرات الأفراد العاملين في المنظمات. ويشيران إلى أن دراسة التوافق أو المواءمة من منظور متعدد الأبعاد قد أكدته دراسات عديدة، وهو ما تنتهجه هذه الدراسة، ويريان أن هذه المواءمة تنعكس على صحة الفرد النفسية وسعادته وارتياحه في عمله وتقبله للمهام والمسؤوليات التي يقوم بها، وانسجامه مع بيئته وزملائه، وزيادة مستوى أدائه؛ وهو ما يؤكد على أهمية هذه الدراسة التي تتضح أبعادها ومحاورها في اختبار تأثير المتغيرات الديموجرافية والوظيفية على أبعاد المواءمة سواء كانت وظيفية مكملة، أو بين الموظف ومنظمته، أو بين الموظف ومديره أو مشرفه المباشر، أو بينه وبين فريق العمل أو زملائه. وعلى متغير النية لترك العمل. وقد قام الباحثان بتطبيق دراستهما على عينة عشوائية طبقية قوامها 472 موظفاً من موظفي الوزارات والهيئات والمصالح والمؤسسات والجامعات بمدينة الرياض.

الموائمة المهنية

وفي معرض حديثهما عن الإطار النظري للدراسة، يناقش الباحثان نظرية المواءمة المهنية، والمواءمة بين الفرد وبيئة العمل، والنية لترك العمل. فيركزان في حديثهما عن المواءمة المهنية على مفاهيم المواءمة ومجالاتها، وطبيعتها وتشكل نظريتها، وأهدافها والمداخل العلمية التي تفسرها وشروطها ومصادرها، وأساليب تحقيق التوافق المهني للعاملين، والعوامل التي تؤثر فيه، ومظاهر التوافق المهني، وسوء التوافق المهني. فيسلطان الضوء على التعريفات والمفاهيم المختلفة التي قدمها العديد من الباحثين والخبراء للمواءمة، ويصنفانها بأن بعضها ركزت على التوازن النفسي أو الشخصي، وبعضها ركزت على التوازن والانسجام مع البيئة، في حين أن البعض الآخر ركزت على الجانب الاجتماعي والانسجام مع المجتمع والبيئة المحيطة. ثم يقدمان تعريفاً لها بأنها مدى توافق وانسجام الفرد مع البيئة التي يعمل فيها لإشباع حاجاته ورغباته وتحقيق أهدافه، والاستجابة والتكيف معها، بما يرضي الفرد ويعود عليه بالنفع والفائدة المرجوة.

وتوضح الدراسة أهمية المواءمة المهنية والتي تتمثل في قدرة الفرد على مواجهة مشاكله، والتكيف مع المتغيرات المختلفة والحفاظ على توازنه الانفعالي، وإزالة توتراته، وإقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع باقي أفراد المجتمع يسودها الود والاحترام المتبادل، واكتساب المهارات والخبرات، وتمتع الفرد بالصحة والتوافق النفسي. كذلك تقدم عرضاً بانورامياً للمداخل العلمية التي تفسر المواءمة المهنية وهي: المدخل الفسيولوجي، والسيكولوجي أو النفسي، والثقافي الاجتماعي، والمدخل الشامل الذي يقوم على التفاعل بين المداخل السابقة. ويتطرق الباحثان إلى مصادر المواءمة المهنية أو أسباب تحققها وهي نوعين، أولها مصادر تنظيمية تتحدد في متطلبات شخصية كالروح المعنوية والذكاء، ومتطلبات فسيولوجية كالمناخ التنظيمي والإضاءة، ومتطلبات المهام كعلاقات العمل والمسؤولية، والنوع الثاني هي المصادر العامة كوسائل الإعلام والحياة العائلية.

7 نظريات و8 مستويات

وينتقل العتيبي ومبارك للحديث عن المواءمة بين الفرد وبيئة العمل، فيبرزان مفهومها ونظرياتها ومستوياتها وطرق قياسها. فتؤكد نظرية المواءمة بين الفرد والبيئة على التقارب والانسجام بين خصائص الفرد كالحاجات، وخصائص البيئة كمتطلبات العمل. وأن أنواع التوافق الثلاثة (توافق الشخص مقابل المنظمة، وتوافق الشخص مقابل الجماعة، وتوافق الشخص مقابل الوظيفة) ترتبط بشكل إيجابي مع مخرجات شخصية عديدة للأداء كالرضا الوظيفي. وترتبط سلبياً مع نوايا الدوران الوظيفي أو ترك العمل. وتتحدد النظريات المفسرة لهذه النوعية من المواءمة في 7 نظريات هي: نظرية التفاعل البينشخصي، ونظرية التبادل الاجتماعي، ونظرية التكيف مع العمل، ونموذج التطابق المهني لتصميم العمل، ونموذج الجذب والاختيار والاستنزاف، ونظرية إشباع الحاجات الوظيفية، ونظرية الضغط-الحاجة.

أما عن أنواع المواءمة في بيئة العمل فتتضمن المواءمة المكملة، والمتممة، والمواءمة مع قيم العمل، والمدركة والفعلية، والمواءمة وفق المستوى الذي تكون فيه. وتنقسم مستويات المواءمة بين الفرد وبيئة العمل إلى 8 مستويات هي: المواءمة بين الفرد والمنظمة، وبين الفرد والوظيفة، وبين الفرد وفريق العمل، وبين الفرد والمشرف المباشر، وبين الفرد وذاته، وبين الفرد والمهنة، وبين الفرد والمجتمع. ويمكن قياس هذه المواءمة إما من خلال المقاييس المباشرة التي تتضمن مقاييس التوافق المباشر أو المدرك بسؤال الأفراد إذا كانوا يعتقدون بحدوث التوافق الجيد، أو عن طريق المقاييس غير المباشرة مثل مقياس (OCP) وهذه المقاييس تشمل مقاييس مناسبة تفصل بين ترتيب المدرك (أو الفعلي) والمفضل (أو المرغوب فيه) للثقافة باستخدام بنود القيم المتشابهة ثم يتم مقارنة القيم التنظيمية المدركة والمفضلة.

وبالنسبة للنية لترك العمل، فيبرزها الباحثان من حيث مفهومها، والنظريات المفسرة لها، والعوامل المؤثرة فيها، وطرق التقليل منها في المنظمة. فيقرران أن أسباب ترك العمل متعددة، منها ما هو اختياري (طوعي) بإرادة الموظف نفسه كالاستقالة، ومنها ما هو إجباري (إلزامي) من قبل المنظمة كالتقاعد. ويعالجان العوامل المتعددة المؤثرة في نية ترك العمل؛ مثل اتجاهات العاملين نحو الإجراءات غير العادلة، والراتب، وضغوط العمل...وغيرها. وتحصر الدراسة طرق تقليل نية ترك العمل عن المنظمة في 7 طرق هي: الاهتمام ببناء فريق العمل داخل المنظمة، وتوافر الثقة المتبادلة بين العاملين والرؤساء، والاهتمام بأخلاقيات العمل، والإشراف المناسب، والاهتمام بتمكين العاملين، واحترام العاملين، والعمل على تحسين الرضا الوظيفي.

نية متوسطة

وقد توصلت الدراسة إلى نتائج عديدة، والتي من أبرزها ما يلي: إن اختلاف الوظيفة الفعلية التي يمارسها الموظفون مع مسمى الوظيفة المعينين عليها قد يؤدي إلى سوء أو عدم توافق هؤلاء الموظفين مع وظائفهم، كذلك تؤثر المتغيرات الديموجرافية والوظيفية لهؤلاء الموظفين والمتمثلة في كل من جنس الموظف واختلاف المسمى الوظيفي والتخصص العلمي وسنوات الخبرة وجهة العمل في المواءمة والتوافق الوظيفي لهم؛ بينما لم يكن لهذه المتغيرات التأثير نفسه في النية لتركهم العمل. وقد اتضح أن لديهم هذه النية لترك وظائفهم الحالية بدرجة متوسطة، وأن وجود تلك النية ليس مؤشراً لعدم توافقهم أو سوء هذا التوافق. وجاء تقدير جهودهم مادياً ومعنوياً كأكثر الأبعاد أهمية لتعزيز وتحسين التوافق بين الموظف ووظيفة الخدمة المدنية. كما يؤثر كل من التوافق الكلي وبعدي التوافق بين الموظف والمنظمة والوظيفي المكمل على مدى وجود نية لدى الموظفين لترك العمل.

توصيات متنوعة

وفي ضوء النتائج التي خلصت لها الدراسة؛ يبدي كل من أ.سعود العتيبي وأ. مجدي مبارك العديد من التوصيات، والتي منها ما هي موجهة لمؤسسات الخدمة المدنية والمسؤولين فيها كتفعيل عملية التطويع الاجتماعي في المنظمات الحكومية، والاهتمام بالصحة النفسية للموظفين. ومنها توصيات موجهة لوزارة الخدمة المدنية وأبرزها تعديل وتطوير أنظمة ولوائح الخدمة المدنية بما يتناسب مع رؤية المملكة والتكنولوجيا الحديثة وتغيرات بيئة العمل. بالإضافة إلى توصيات موجهة لإدارات الموارد البشرية في مؤسسات الخدمة المدنية والتي من أهمها تطبيق أساليب حديثة في التعامل مع المتقاعدين والمستقيلين من مؤسسات الخدمة المدنية، وتفعيل برامج تخطيط وتنمية المسار الوظيفي للموظفين لتحسين وتعزيز توافقهم مع الوظائف. وهناك توصيات موجهة لموظفي الخدمة المدنية ومنها أن يعوا دورهم في متابعة توافقهم مع وظائفهم طيلة سنوات خدمتهم. ويختتمان توصياتهما بتلك المتعلقة بالباحثين لإجراء دراسات مستقبلية في مجال التوافق وفق موضوعات متنوعة ومنها أثر التوافق بين الفرد والوظيفة في إنتاجية الموظفين.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة