الاستثمار في رأس المال البشري..الأولويات والتحديات التنموية

  • د.طارق فدعق: عندما تخفق البلدان في الاستثمار بصورة مثمرة في رأس المال البشري تكون التكلفة ضخمة
  • د.فهد الشتري: وجود رأس المال البشري المناسب يشكل الفرق بين تحقيق الربحية والأداء الإيجابي أو الفشل
  • د.طلال العجلان: تحسين جودة العمل يتم من خلال الاستثمار في تعليم وتدريب الناس ليتحولوا إلى رأس مال معرفي
  • د.نوف الغامدي: الموارد البشرية إذا لم تُستثمر بشكل جيد تتحول إلى عبء وتكلفة اقتصادية على المنشآت
  • د.منصور بلخيور: تراكم رأس المال البشري يعد عاملاً اساسياً في التقدم التقني والنمو المستدام للدول

 

المشاركون في القضية:

  • د.طارق فدعق، عضو مجلس الشورى
  • د.فهد الشتري، وكيل المحافظ للأبحاث والشئون الدولية، مؤسسة النقد العربي السعودي
  • د.طلال العجلان، نائب المدير العام لقطاع التمكين والإبداع، صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)
  • د.نوف الغامدي، مستشارة تخطيط إستراتيجي وتنمية اقتصادية
  • د.منصور بلخيور، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز

 

يعد الاستثمار في رأس المال البشري أعلى أنواع الاستثمار قيمةً، وأكثرها أهمية لتحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي والمستدام، وتحقيق الازدهار المطلوب للمجتمعات، ووفقاً لخبراء الإدارة والاقتصاد، تعتبر الموارد البشرية مقياساً أساسياً لثروة الأمم، ومكتسباتها، وقدرتها على المنافسة والتقدم الحضاري؛ لذا أصبح الاستثمار في رأس المال البشري من الموضوعات الحديثة في مجال الموارد البشرية، حيث يتم تطبيقه حالياً بصورة واضحة في عدد من الدول المتقدمة من خلال الإنفاق على تطوير قدرات ومهارات ومواهب الإنسان على نحو يمكنه من زيادة إنتاجيته.

حول أهمية الاستثمار في رأس المال البشري تدور محاور قضيتنا التالية.

تطوير

وفقاً لترتيب مؤشر تطور رأس المال البشري لعام 2017م الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، تصدرت "النرويج" قائمة المؤشر الذي صنف 130 دولة حول العالم، وجاءت "فنلندا" في المرتبة الثانية، تلتها "سويسرا" في المرتبة الثالثة، ثم "الولايات المتحدة" في المركز الرابع. وصنف المؤشر الدول وفقاً لأربعة معايير رئيسية لتنمية رأس المال البشري تتمثل في معيار القدرة الذي يقيس الرصيد المعرفي الحالي، ومعيار انتشار المعرفة ويخص تطبيق المهارات وتراكمها عبر العمل، ومعيار التنمية ويقصد به تنمية المهارات الحالية للقوة العاملة، ومعيار المعرفة ويقيس مدى توسع وعمق استخدام المهارات. وفيما يتعلق بالدول العربية، فجاءت الإمارات الأولى عربياً واحتلت المرتبة الـ 45 عالمياً، تلتها "البحرين" في المرتبة الثانية عربيا والـ 47 عالمياً، بينما جاءت "السعودية" في المركز الـ 82 عالمياً والرابعة عربياً.

اعتبارات مهمة

وفي بحث أجرته مؤخراً جامعة الملك سعود تحت عنوان "تحديات الاستثمار في رأس المال البشري الوطني"، كشف عن أن ما نسبته 93% من جهات العمل متوسطة الحجم تنظر إلى أن رأس المال البشري، والاحتفاظ بالمستخدمين على المدى الطويل هما من العوامل المهمة جداً لضمان نجاحها مستقبلاً، وبالرغم من ذلك فإن بعض الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع الخاص تعاني من مستويات مرتفعة لتغير المستخدمين. وأشار البحث إلى أن تكلفة تدريب شخص جديد يستغرق ما يتراوح بين 12 إلى 24 شهراً للوصول إلى مستوى الإنتاجية الذي كان يحققه المستخدم الذي تم استبداله، والتكلفة المتواصلة للتدريب تعادل في المتوسط ما يقارب 10-20% من راتب المستخدم على مدى فترة سنتين إلى ثلاث سنوات. كذلك أوضح البحث الحرص على تعيين الموظف المناسب في المكان المناسب، خاصة وأن متطلبات بعض الوظائف قد تكون كثيرة، لذلك من الأهمية بمكان أن تقوم إدارة الموارد البشرية بشرح الوظيفة بشكل واضح وتفصيلي، وما يتوقعه صاحب العمل من الموظف، ومناقشة النواحي الإيجابية والسلبية؛ حتى يكون الموظف على بيّنة ولمنع حدوث أية مفاجآت "غير متوقعة"، وتحفيز الموارد البشرية من خلال تمكين المتفوقين من مناصب المسؤولية.

الأولوية

ومن جانبه التزم البنك الدولي بمساعدة مختلف البلدان في إعطاء الأولوية لرأس المال البشري بطريقة مستدامة؛ نظراً لتنامي الإدراك أن الوظائف والعمالة الماهرة هما المفتاح للتقدم الوطني في بلدان العالم على جميع مستويات الدخل. مؤكداً على أنه لا يمكن لأي بلد أن يتحمّل انخفاض استثماراته في رأسماله البشري، وأن الحكومات التي تسعى لتحقيق النمو الاقتصادي تفضل الاستثمار في رأس المال المادي، لكنها عادة ما تكون أقل اهتماماً بالاستثمار في رأس المال البشري. وهذا خطأ؛ لأن اهمال الاستثمار في رأس المال البشري يمكن أن يضعف بشكل كبير قدرات الدولة التنافسية في عالم سريع التغير، حيث تحتاج البلدان إلى قدر متزايد من المواهب للحفاظ على النمو والازدهار.

مدخرات المجتمع

وفي السياق ذاته يُعرف د.طارق فدعق عضو مجلس الشورى، الاستثمار في رأس المال البشري على أنه استخدام جزء من مدخرات المجتمع أو الأفراد في تطوير قدرات، ومهارات، ومعلومات، وسلوكيات الفرد؛ بهدف رفع طاقته الإنتاجية، وبالتالي طاقة المجتمع الكلية لإنتاج مزيد من السلع والخدمات، وتحقيق الرفاهية للمجتمع، والازدهار الاقتصادي من خلال إعداد المواطن ليكون صالحاً ومنتجاً في مجتمعه.

ويقول: "رأس المال البشري مهم للناس، والاقتصاد، والمجتمعات، والاستقرار، وهو مهم عبر الأجيال، فعندما تخفق البلدان في الاستثمار بصورة مثمرة في رأس المال البشري، تكون التكلفة ضخمة، وفشل البلدان في تمهيد الطريق أمام مواطنيها ليعيشوا حياة منتجة لن يفضي إلى تكاليف عالية فحسب، بل من المرجح أن يولد المزيد من التفاوتات، ويعد الاستثمار في رأس المال البشري هو الآلية الرئيسية لضمان جاهزية الجيل التالي لطبيعة العمل المتغيرة؛ ومع ذلك فإن كثيراً من البلدان لا تستثمر في هذه المجالات الحرجة لذا يجب ضمان تكافؤ الفرص، مثلها مثل المواهب في المجتمع، والاستثمار في رأس المال البشري في الجهات والمؤسسات الحكومية بقي دون مستوى الطموح، ولم يواكب مراحل تنمية الموارد البشرية الحالية التي قد تكون الأبرز في تاريخ السعودية منذ تأسيسها، بل بقيت محدودة جداً أو ضعيفة لعوامل عدة".

الحلقة الأقوى

أما د.نوف الغامدي مستشارة تخطيط إستراتيجي وتنمية اقتصادية، فترى أن القطاع الخاص يعد شريكاً ولاعباً رئيسياً بجانب الحكومة في التنمية، وتحفيز الرأسمال البشري الوطني، وإحداث تغيرات هيكلية يشهدها الاقتصاد السعودي على مستوى جميع القطاعات، وبدأ الاتجاه إلى تنمية المهارات البشرية، وتوجيه طاقات الشباب السعودي وتوظيفها بالشكل الأمثل، ورفع كفاءة التوطين وتفعيل برامج ذكية وابتكارية وليست تقليدية، لتعطي القوة والتحفيز والثقة للسوق من جديد نحو النمو والازدهار، فنحن أمام تحدٍ كبير لتحفيز وتنمية الفرص الاستثمارية لمنشآت القطاع الخاص، لتصبح مولدة لفرص العمل للمواطنين والمواطنات، وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمارات السعودية، ومعالجة التحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية، ورفع مستوى التوطين من خلال برامج وآليات تنفيذية عملية، وتعزيز الشراكات والتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص.

وتضيف: "مع الأسف جهاتنا الحكومية والخاصة بعيدة جداً عن الإبداع، والابتكار ودائماً ما نٌلقي باللوم على المسئولين بأنّهم لم يواكبوا التغيير، ولم يحققوا نتائج مرضية تصل بأثرها للمواطن البسيط. وحقيقة لنكون مٌنصفين فكثير من المسئولين نجحوا في القطاع الخاص، وحققوا نتائج كبيرة وصنعوا مؤسسات نشهد لها جميعاً بالتميز ومواكبة التغيير".

وتقول د.نوف الغامدي: "إن الموارد البشرية تعد الحلقة الأقوى والمحرك الأساسي لإنجاح العمل المؤسساتي، الذي يوثر بدوره في منظومة العمل الحكومي بأكملها، ما يتطلب التركيز في إعداد كوادر مؤهلة تستطيع استثمار التعلم وتحويل الابتكار إلى إبداع، وهو ما يستدعي إعادة هندسة إجراءاتها وتصميم رحلة المتعامل معها بحيث بشكل يخفض الكلفة ويرفع مستوى الكفاءة".

وتتابع، قائلة: "حقيقة تستثمر المنشآت أكثر من ثلث مداخيلها بدون أن تقيس بشكل دقيق عائدات هذا الاستثمار في مواردها البشرية، فالموارد البشرية إذا لم تُستثمر بشكل جيد تتحول إلى عبء وتكلفة اقتصادية على المنشآت، بل لقد أصبحت الموارد البشرية مفهوم لا يخدم قطاعات الأعمال، ودائماً ما يتحدث أصحاب الأعمال ومديرو الموارد البشرية عن رأس المال البشري، ويدّعون أن الموظفين هم رأسمالنا الأكبر، لكنّهم لا يديرون موظفيهم وكأنّهم أصول حقيقية، فهم يعتبرون الموظّفين كلفة تشغيلية يجب التحكّم بها وليس أصولاً قادرة على توليد قيمة قابلة للقياس، ولا يهتمّ أيّ جزء في الشركة، بما في ذلك قسم الموارد البشرية، بـ "رأس المال البشري" بصورة متكاملة".

تأثير قوي

ومن جانبه أكد د.طلال العجلان نائب المدير العام لقطاع التمكين والإبداع في صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، على أن هناك علاقة قوية بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي، حيث أن له تأثيراً قوياً ومباشراً على النمو الاقتصادي، وذلك من خلال تطويره للاقتصاد عن طريق تطبيق المعرفة والمهارات التي يملكها الأفراد في مختلف جوانب الاقتصاد، فرأس المال البشري هو المعارف والمهارات والدوافع التي يمتلكها الأفراد والتي توفر قيمة اقتصادية فعالة، وعند الحديث عن رأس المال البشري يجب الادراك أن مستوى المهارة أو المعرفة يختلف بين شخص وأخر وأنه من الممكن تحسين جودة العمل من خلال الاستثمار في تعليم، وتدريب الناس ليتحولوا إلى رأس مال معرفي.

ويشير د.العجلان إلى أهمية الاستثمار في الرأسمال البشري وتمكين الشباب معرفيًا، معتبراً أن المعرفة تعد ميزة تنافسية تزداد أهميتها يومًا بعد آخر بين الباحثين والباحثات عن عمل. ويقول: ""هدف" ينفذ حزمة من البرامج والمبادرات التي تسهم في دعم الكوادر الوطنية في سوق العمل التي باتت مرتبط بالمجتمع المعرفي أكثر من أي وقت مضى".

المستوى المعيشي

من جهته، أوضح د.فهد الشتري وكيل المحافظ للأبحاث والشئون الدولية لمؤسسة النقد العربي السعودي، أن الابداع يدعم النمو الاقتصادي عبر إيجاد اقتصاد تنافسي، وكذلك من خلال دعم وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وأن البيئة الاقتصادية الكلية الملائمة والنظام المالي المستقر عنصران مهمان لتشجيع الابتكار والابداع وتعزيز النمو الاقتصادي، ويتحقق ذلك يعبر الإصلاحات اللوائح التنظيمية وتحديثها بغرض دعم النمو وتحسين الاطر المؤسسية.

وتابع د.الشتري مبيناً أن الرأسمال البشري بشكل أساسي يشير إلى القيمة الاقتصادية التي يحققها الموظف لجهة عمله، حيث يتم تحديد هذه القيمة وفقاً لمجموع المهارات والخبرة التي يتمتع بها المستخدم، مضافاً إليها التدريب الذي خضع له والمؤهلات التعليمية التي حصل عليها، إلى جانب قدرته على لعب دور إيجابي ضمن بيئة العمل، هذا ويعد الدور الذي يؤديه الرأسمال البشري المتميز بالمهارات والحاصل على التحفيز المطلوب مهماً بالنسبة لعمل كافة القطاعات، كما يمثل ميزة تنافسية في مختلف القطاعات الاقتصادية. ويُعتبر دور الرأسمال البشري جوهرياً ضمن الإدارات والأقسام التجارية للشركات، فإن وجود الرأسمال البشري المناسب على الصعيد العملي يمكن أن يشكل الفرق ما بين تحقيق الربحية والأداء الإيجابي ونمو الإيرادات أو الفشل في المقابل".

انتاجية

ويرى د.منصور بلخيور عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز، أن الاستثمار في رأس المال البشري يزيد من إنتاجية العمال والموظفين من خلال المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها عبر العلم والخبرة، ويمثل العنصر البشري أهم العناصر الأساسية التي تؤدي إلى التنمية في مختلف المجالات.

ويتابع: "لكي يتحقق هذا الهدف لابد من أن يرتكز على عامل التعليم كركن أساسي في تراكم رأس المال البشري، فمعظم نظريات النمو الاقتصادي تشير إلى أن التقدم التقني يزيد من معدل النمو الاقتصادي طويل الأجل، ويزداد التقدم التقني سرعة عند ما تكون قوة العمل أفضل تعليماً؛ لذا فإن ذلك يقود إلى حقيقة أن تراكم رأس المال البشري يعد عاملاً أساسياً في التقدم التقني ويعد عنصراً أساسياً من عناصر النمو المستدام للدول، فالاستثمار في رأس المال البشري هو العنصر الأساسي لنمو مستدام طويل الأمد، وهو أبقى من مصادر ثروة توشك على النضوب مع مرور الزمن؛ فالعقول تحرك الثروات وليس العكس".

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة